المرأة عرضة لاضطرابات نفسية تفاعلية نتيجة تعرضها لسوء معاملة من قِبل الرجال في حياتها. وتعاني المرأة في كل مكان من العالم من تسلّط الرجال عليها، سواء كان هؤلاء الرجال، آباء، أخوة أو أزواجاً، والأزواج أكثر الاشخاص الذكور الذين تُعاني منهم المرأة من سوء المعاملة، نظراً للعلاقة المعُقّدة التي تربط المرأة والرجل بعقد الزواج. وتعاني المرأة الزوجة كثيراً من سوء سلوك الزوج معها، لأن بعض الأزواج يعتقد بأنه امتلك المرأة تماماً ويستطيع أن يفعل بها ما يشاء.!
ربما تكون المرأة في مجتمعاتنا العربية أكثر معاناةً نظراً للصعوبات التي تواجه المرأة المطلقة أو المرأة التي ترفض العيش مع زوجها. وتمر عليّ قصص متعددة لعلاقات سيئة بين رجال وزوجاتهم ، تكون المرأة فيه هي الجانب الذي يتألم و يُعاني بشكلٍ كبير، ولكنها لا تستطيع أن تسير بعيداً عن زوجها الذي يتولى أذيتها النفسية.
هناك امرأة كان زوجها يُعاني من اضطراب الضلالات الذُهانية، وهي عبارة عن شكوك مرضية؛ حيث يعتقد الزوج بأن زوجته تخونه، برغم أن ليس لديه أي دليل على ذلك، فهو يمنع عنها زيارة الرجال، حتى أشقائها والأقارب المحارم من الرجال، ومع كل هذا يشك بأن ابنته الكبرى ليست ابنته، ويطلب من هذه الابنة التي لا يتجاوز عمرها الخامسة عشرة أن لا تجلس معهم على الطعام ولا تجلس مع بقية أفراد العائلة عند مشاهدة التليفزيون، ودائماً يضطهد هذه الابنة لأنه – حسب شكوكه – يعتقد بأنها ليست ابنته، لذلك دائماً ينعتها بالفاظ قاسية وأنها لا تُشبهه لأنها ليست ابنته.
تصوروا هذه الطفلة الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها الخامسة عشرة وهي تسمع من والدها الذي يُفترض أن يكون هو من يُخفّف عنها المشاكل التي تواجهها في مراهقتها.
كانت حياة الأسرة أجمع جحيماً لا يُطاق، فالزوجة التي يُمطرها زوجها بوابلٍ من الاتهامات كل يوم عن خيانتها له ويمنع عنها المصروف، برغم أن دخله الشهري جيد، ولكن لا يُعطي الزوجة والأطفال أي مبلغ مالي. هذا التصّرف جعل الزوجة تطلب علاج زوجها من الاضطراب المرضي الذي يُعاني منه. فعلاً تم إدخاله إلى احدى المصحات المتخصصة في علاج الاضطرابات النفسية، لكن عائلته أخرجته من المصح ليعود مرةً آخرى ليُعذّب زوجته وأبناءه الضعاف.
وعندما أصبح شكه لا يُطاق طلقّ زوجته وطردها من المنزل، ونظراً لأن الزوجة فقيرة وليس لها أي مُعين وعائلتها تُعاني الفاقة الشديدة، فقد اضطرت لأن تستجدي بعض المحسنين وأستأجرت منزلاً بسيطاً دفع لها القسط الأول أحد المحسنين ولكن لم تجد ما تفرش به منزلها، هي وأطفالها، وساعدها بعض الأقارب بفرشٍ مستخدم لتفرش به المنزل الصغير القديم الذي أستأجرته. وبعد فترة اعتذر المحسن الذي تبرع لها بنصف الإيجار، بأنه لا يستطيع أن يدفع لها القسط الثاني من الايجار، ووجدت نفسها في وضعٍ لا تعرف ماذا تصنع في أولادها ونفسها من دون أي معين. وتم تحويلها إلى الشؤون الاجتماعية الذين قاموا بصرف مبلغ 2000 ريال شهرياً مصاريف لها ولأولادها الذين لا يكفيهم خبزاً، فضلاً عن أن لا أثاث في منزلها وليس للأولاد ملابس ومصاريف للمدرسة. أضطرت أخيراً أن تطلب من أقارب لها أن يقُنعوا زوجها بإرجاعها إلى عصمته مرةً أخرى!. كانت كالمسُتغيث من الرمضاء بالنارِ. كانت تعرف بأن الحياة مع زوجها أمرٌ في غاية الصعوبة. وافق الزوج على أن يُعيدها بشروطٍ قاسية. في أول قائمة الشروط التي قبل أن يُعيد الزوج زوجته؛ هي أن تقطع علاقتها بجميع أفراد عائلتها؛ والدها ووالدتها واشقائها وشقيقاتها، وكذلك جيرانها، أخبرت الجميع بأنها لا تُريد أن يزورها أحد أو أن تزور أحداً. وعندما علم أنها تقبض المعونة الشهرية من الشؤون الاجتماعية منع عنها أي مبلغ، وأكتفى بأن يسمح لزوجته وأولاده بالسكن معه في منزله أما أي مصاريف فقد رفع يده عن أي مسؤولية مادية في المنزل. تحاول أن تخبره الزوجة بأن الألفي ريال لا تكفي للغذاء والملابس لجميع من في المنزل، لكنه يمتنع عن دفع أي مبلغ إضافة لما تتقضاه من الشؤون الاجتماعية.
هذه المرأة وابنتها التي يرفض والدها أن يُعاملها معاملة حسنة، أصبحتا مريضتين نفسياً؛ مريضتين بالاكتئاب ويتناولان الأدوية المضادة للاكتئاب!. هاتان المرأتان كانتا في غنى عن الوصول إلى حالة المرض النفسي لو أن الرجل الذي يسّير أمور حياتهما عاملهما معاملة حسنة، وربما لو أن أهل الزوج تركوه كي يتعالج من اضطرابه النفسي، الذي قلب حياة أسرته رأساً على عقب، وجعل زوجته وابنته تُصبحان مريضتين نفسيتين.